إن الإصلاح الشامل لقواعد التحكيم من أجل التكيف مع القضايا المختلفة له أهمية قصوى، من أجل تعزيز مكانة ممارسة التحكيم في سوق تتزايد فيه المنافسة.
ومع ذلك، فإن فرضية إضفاء الطابع القضائي، التي تترجم تحول العملية غير الرسمية إلى عملية رسمية، تدعونا إلى التساؤل عن مصير التحكيم، أي هل لا يزال يعتبر بديلاً عن الإجراءات القانونية الطويلة والمكلفة؟
ولمواجهة هذا الأثر المتمثل في إضفاء الطابع القضائي، دُعيت القواعد المؤسسية، وهي الجهات الفاعلة الرئيسية في مجتمع التحكيم الدولي، إلى إعادة النظر في عملية التحكيم. ومن شأن إجراء تغييرات لزيادة كفاءة الإجراءات أن يؤذن ببدء "عصر جديد للتحكيم".
ما هي التغييرات، إذن، التي يمكن أن تعزز الكفاءة في عملية التحكيم؟
وغالباً ما يُنظر إلى الكفاءة في تسيير الإجراءات على أنها مجرد الرغبة في التوصل إلى قرار تحكيم بأسرع ما يمكن دون اعتبار لجودة القرار والعملية برمتها. وقد يكون من الأفضل القول بأن الهدف من التحكيم هو التوصل إلى قرار تحكيم جيد النوعية ومعلل بشكل جيد، وفي الوقت نفسه ضمان أن تكون العملية سريعة وفعالة من حيث التكلفة. ومن الأمثلة على المبادرات التي نفذتها قواعد التحكيم لتعزيز هذه الكفاءة الوساطة، التي يمكن أن يكون دورها التكميلي مفيداً للغاية.
ومن النتائج المترتبة على ظاهرة إضفاء الطابع القضائي على التحكيم ظهور تسوية المنازعات ودياً، وبشكل أكثر تحديداً الوساطة. وربما سيؤدي إدخال إجراء سلمي في عملية معروفة بالمواجهات التي تولدها إلى مزيد من الكفاءة. وفي هذا الصدد، فإن الترتيب الجديد الذي وضعته قواعد SIAC بالتعاون مع مركز سنغافورة للوساطة الدولية (SIMC) تسمى عملية التحكيم والوساطة والتحكيم.
إجراءات أرب-ميد
في الحالة الأولى سيشرع الطرفان في التحكيم، ولكن ستبذل محاولة للوساطة من أجل حل النزاع ودياً. وفي حال فشل ذلك، يتم استئناف التحكيم للتوصل في النهاية إلى قرار تحكيمي. يمكننا تلخيص هذه العملية على أنها عملية تتم فيها محاولة الوساطة في سياق إجراءات التحكيم. ويمكن اختزال هذه العملية ذات المراحل الثلاث إلى مرحلتين. وبالفعل، إذا أسفرت الوساطة عن تسوية النزاع، فلن يحتاج الأطراف إلى العودة إلى التحكيم. بالإضافة إلى ذلك، سيكون بإمكانهم إنفاذ قرار التحكيم الذي تم اتخاذه. وسيعتبر هذا الأخير قرار تحكيم بالتراضي ويمكن إنفاذه مثل أي قرار تحكيمي.
ومع ذلك، فإن التنازل عن التحكيم مقدمًا هو مسألة غالبًا ما تثار. ولكن هذا سيؤدي إلى إبطال الهدف من العملية برمتها. في الواقع، تجدر الإشارة إلى أنه لن يتم استبدال التحكيم بالوساطة إلا بعد تبادل الوثائق بين الأطراف. من خلال المضي قدماً بهذه الطريقة، سيتم تحديد العناصر المكونة للنزاع، وسيتمكن الطرفان من فهم مواقف بعضهما البعض بشكل أفضل، مما يحثهما على إجراء مفاوضات سلمية من أجل التوصل إلى تسوية ودية.
وفيما يتعلق بفعالية هذه العملية، تجدر الإشارة إلى أن التحكيم وحده يطرح مشاكل تتعلق بالتكلفة وعدم السرعة. فماذا يحدث إذا أضفنا إجراءً إضافياً مثل الوساطة؟ تبدو الإجابة بسيطة. في الواقع، من ناحية، فإن تكاليف الوسطاء ليست مرتفعة مثل تكاليف المحكمين، ومن ناحية أخرى، إذا تمكن الأطراف من حل النزاع في المرحلة الثانية، أي من خلال الوساطة، فسوف يكسبون من حيث التكلفة والسرعة.
ويتعلق هذا الترتيب المبتكر بمؤسسة تحكيم واحدة فقط؛ غير أن هناك قواعد أخرى تشجع هيئات التحكيم التي تنشأ بموجبها على محاولة توجيه أطراف النزاع إلى تسوية نزاعهم ودياً. وهذا هو الحال بالنسبة لقواعد غرفة التجارة الدولية في الملحق الرابع (ح) المتعلق بأساليب إدارة القضايا، والذي ينص على أنه من أجل تسوية النزاع، ينبغي "تشجيع الأطراف على النظر في تسوية نزاعهم كله أو جزء منه عن طريق التفاوض أو بأي طريقة أخرى لتسوية النزاع وديًا مثل الوساطة التي تتم وفقًا لقواعد غرفة التجارة الدولية للوساطة. من ناحية أخرى، تقترح قواعد جمعية التحكيم الأمريكية فتح "نافذة وساطة" أثناء سير إجراءات التحكيم. ومن أجل تشجيع الأطراف على التسوية الودية، تنص قواعد جمعية التحكيم الأمريكية على عدم تكبد تكاليف إضافية من قبل الأطراف الذين يختارون الوساطة أثناء سير إجراءات التحكيم.
يمكن ذكر عدة عمليات أخرى، مثل الوساطة الموازية، ولكن الفكرة المشتركة بين جميع هذه الابتكارات هي تحقيق حل أكثر كفاءة للنزاع من حيث التكاليف والسرعة، ولكن أيضًا من الناحية الاجتماعية والأخلاقية. وبالفعل، من خلال التفاوض في جو هادئ، ستتاح للأطراف فرصة البحث عن خيارات وحلول تلبي احتياجات كل منهم.
يمكن أن يكون تعلم استخدام هاتين الطريقتين لتسوية المنازعات خطوة حقيقية إلى الأمام، وكل ذلك من أجل المصلحة المشتركة للأطراف.